عملية السلام في اليمن بين الاتفاقيات المبهمة والغايات المتناقضة

Peace Track Initiative
7 min readApr 10, 2020

--

ترجمة مقال الزميلة رنا غانم الذي تم نشره في صحيفة ناشونال: https://www.thenational.ae/opinion/comment/iran-s-tight-grip-on-houthis-in-yemen-endangers-the-country-s-peace-process-1.994443

*رنا غانم

ها نحن على مشارف الدخول في العام السادس لعاصفة الحزم دون أن يتم إحراز تقدم يُذكر في عملية السلام، واليمنيون لا يزالون يعيشون في وضع مأساوي منذ انقلاب الحوثيون في سبتمبر 2014 في ظل تفاقم كارثة إنسانية تُعد الأسوأ من نوعها في هذا القرن. وقد لعبت الأمم المتحدة والدول التسعة عشر الراعية لعملية السلام في اليمن، ومنها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ودول التحالف العربي دوراً وسيطاً وضاغطاً لدعم عملية السلام، وعقدت منذ 2015 خمسة مشاورات سلام وعملية مباحثات واحدة.

ومن بين هذه المحاولات، هناك محطتين فقط يجب الوقوف عندهما بسبب أهميتهما بالنسبة لمسار السلام بشكل عام وللفائدة المرجوة التي يمكن أن تتحقق إذا تعلمنا منهما. هذه المحطتين هي مباحثات الكويت التي تمت على فترتين من 21 ابريل الى 30 ي ونيو ومن ثم من 17 يوليو إلى 6 أغسطس 2016م ومشاورات ستوكهولم من 6 إلى 12 ديسمبر 2018م.

وقد شاركت شخصياً في مشاورات جنيف واستكهولم الأخيرة التي رعاها مبعوث الأمم المتحدة مارتن جريفيث من ضمن تشكيلة الوفد الحكومي، كما أني كنت ضمن الفريق الاستشاري المساند للوفد الحكومي في مباحثات الكويت والتي رعاها المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، فاستطعت أن أتابع بشكل مباشر وقريب جميع الفعاليات والمشاورات المختلفة المساندة للمسار السياسي السلمي. ووجدت أن الوسطاء لا يعيرون اهتماماً لتفهم أهداف الوفود المتفاوضة والتي ينطلق منها أطراف النزاع لتحقيق طموحهم من الدخول في عمليات السلام. كما أن الاستعجال في مشاورات السلام للوصول لتفاهمات مبنية على نقاط مبهمة تسمح بالمراوغة أثناء التنفيذ هي وصفة للفشل. ووجدت أن الوسطاء يغفلون عن فهم سيكولوجية الحوثيين كجماعة مسلحة ويتجاهلون دور إيران كلاعب رئيسي.

لا شك أن الهدف العام المعلن من عمليات السلام هو الوصول إلى سلام في اليمن، ولكن لم يتم البحث بشكل جاد في الغاية المرجوة من هذا السلام. فمن خلال تجربتي أرى أن عدم إدراك هذه الخلفية شكل وسيستمر في تشكيل عقبة كبيرة أمام الوصول إلى سلام عادل ومستدام في اليمن. فحين يطمح فريق الشرعية إلى تحقيق السلام من أجل استعادة الدولة وفرض هيمنة الشرعية وفقاً للمرجعيات الثلاث وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، يطمح فريق الحوثيين إلى تحقيق السلام من أجل تثبيت حكمهم وسيطرتهم على الدولة اليمنية ومقدراتها، وبطبيعة الحال شتان ما بين الغايتان، وبسبب هذا التباين لم نستطع إلى الآن الوصول إلى رؤية عملية متفق عليها لتحقيق السلام في اليمن.

فعندما نقف على محطة ستوكهولم، فبالرغم من توفر ضغوط قوية واهتمام من المجتمع الدولي فإن الإدارة التي انتهجها مكتب المبعوث الأممي لهذه المشاورات أدت الى تعقيد الوضع أكثر من حلحلته. مثلا لم يتم الاتفاق على جدول الأعمال قبل البدء بالمشاورات وتُرك لكل وفد اختيار المواضيع بناء على أولوياتهم وأهدافهم، فركز وفد الحوثيين على مناقشة الإطار السياسي للمباحثات بينما لم يكن يرى وفد الحكومة الشرعية أهمية لمناقشة الإطار في هذه الجولة القصيرة والتي يجب أن تركز من وجهة نظره على الجانب الإنساني. وانتهت العملية بإعلان اتفاق مبهم شمل بنود عامة تفتقد إلى التفاصيل المطلوبة من أجل تسهيل عملية التنفيذ– بالرغم من تحفظات الوفد الحكومي على ذلك — من أجل الوصول إلى تراضي سطحي بشأنها، وهو المكسب الذي توقع مبعوث الأمين العام أنه سيستطيع أن يبني عليه مستقبلاً، الأمر الذي سرعان ما اتضح عدم الجدوى منه، حيث أتممنا عاماً منذ اتفاق ستوكهولم دون النجاح في تنفيذ خطواته ودون إعادة إحياء لمباحثات السلام.

أما بالنسبة لمباحثات السلام في الكويت، أكاد أجزم بأنه يمكن عدها الفرصة المتميزة الوحيدة للسلام حتى الآن والتي ضاعت بالرغم من اهتمام ورعاية المجتمع الإقليمي والدولي وبشكل خاص من دولة الكويت والتي أرادت أن تلعب دوراً مخلصاً في تحقيق السلام في اليمن. فبالرغم من استطاعة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ وفريقه تقديم الرؤى والمقترحات المتتالية والتي تحاول الجمع والتقريب بين وجهات النظر المتباينة للوفدين إلا أن التباين التام في رؤية كل وفد للحل والوصول إلى اتفاق السلام عرقل العملية برمتها وأفشلها. فقد كان وفد الحكومة الشرعية يرى أنه لابد أولا من الاتفاق على الترتيبات الأمنية والعسكرية وتنفيذها ومن ثم يتم الاتفاق على الترتيبات السياسية وتنفيذها ويرى وفد الحوثيين وحليفهم حينها المؤتمر الشعبي العام العكس تماماً. وعليه فقد كانت مقترحات مكتب المبعوث تجمع بين الفكرتين فبمقابل خطوة في الترتيبات الأمنية والعسكرية تطرح بعدها في التنفيذ خطوة في الترتيبات السياسية، وتم الضغط بشكل كبير على الوفد الحكومي لقبول ذلك، الذي كان يرى أن على المليشيات الحوثية تسليم السلاح الثقيل والمتوسط الذي نهبته للحكومة الشرعية أولاً وفق القرار 2216، وبالرغم من ذلك قَبِل الوفد الحكومي فكرة تشكيل لجنة عسكرية وأمنية وطنية ولجان على مستوى المحافظات من ضباط مقبولين للطرفين تتولى مسؤولية سحب السلاح المتوسط والثقيل، وتنفيذ كافة الترتيبات الأمنية والعسكرية المتفق عليها خلال خمسة وأربعون يوماً من توقيع الاتفاق. ويتم خلال الخمسة والأربعون يوماً التوصل إلى اتفاق سياسي شامل. ووقع الفريق الحكومي على المقترح وأبلغ المبعوث بأنه سيغادر الكويت وبأنهم سيعودون حال استطاع المبعوث اقناع الحوثيين بالتوقيع على المقترح، إلا أن الحوثيين رفضوا التوقيع على أي وثيقة، حتى تلك الخاصة بجدول أعمال المباحثات ورفضوا البدء بإجراءات بناء الثقة مثل الإفراج عن عدد من الأسرى والمحتجزين والسجناء السياسيين وفتح ممرات آمنة في المدن، بالإضافة إلى وقف المهاترات الإعلامية ووقف إطلاق النار. بالرغم من أن إجراءات بناء الثقة هذه لم تكن جديدة وإنما تم الاتفاق عليها في مشاورات بييل قبل الكويت بأربعة أشهر فقط.

ولكن في الأخير رفضوا أيضا مقترحاً يستجيب إلى حد كبير إلى مطالبهم مثل تنازل الحكومة عن أن تكون هي الجهة التي تستلم سلاح الحوثيين وبدلاً عن ذلك يتم تسليم السلاح إلى لجنة أمنية من الطرفين متفق عليها من الطرفين. كذلك طالب الحوثيين أن تعود الحكومة إلى صنعاء ووافقت الحكومة على ذلك في حال تم تسليم السلاح في المنطقة )أ( وهي صنعاء على عكس شرط الحكومة الأساسي وهو شرط تسليم سلاح الحوثيين في كافة أنحاء اليمن قبل عودة الحكومة لضمان عدم إعادة الانقلاب مرة أخرى. أيضاً قبلت الحكومة ترتيبات لإعادة مناقشة العملية السياسية كاملة بالرغم من أن هذه الترتيبات كان قد تم الاتفاق عليها في مؤتمر الحوار ولجنة الأقاليم. وقوبلت كل هذه التنازلات من الحكومة بتعنت شديد من قبل الحوثيين.

وقد صُدِم الكثير من المراقبين في وقتها من إخفاق جولة مباحثات الكويت وضياع فرصة ذهبية كان من الممكن أن تحقق تقدما محرزاً في عملية السلام في اليمن. لكن إذا تأملنا فيما حدث خطوة بخطوة يمكن الإدراك بسهولة بأن ما حدث كان متوقعاً جداً لأن الغايات المرجوة من السلام كانت متباينة جداً، وبدون التعامل مع هذا التباين لن يؤدي أي مجهود تفاوضي إلى سلام حقيقي. فإذا نظرنا إلى المشاورات والاتفاقيات التي كانت تعقد مع الحوثيين بداية من الحروب الأولى التي شنها ضدهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح منذ 2004، مروراً باتفاق السلم والشراكة مع الرئيس هادي في عام 2014، ووصولاً إلى الاتفاقيات التي تعقد معهم تحت رعاية مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والتي زادت على 70 اتفاقاً حتى يومنا هذا، نلاحظ أنهم لم يلتزموا بتنفيذ أي اتفاق سواءًمع غرمائهم أو مع حلفائهم .بل انهم نقضوا عهدهم مع حليفهم صالح وقتلوه في آخر المطاف.

وقد يُعزى هذا إلى اتباعهم فلسفة سياسية تنتهج مبدأ المماطلة لكسب الوقت وتحقيق المكاسب على الأرض. ولذا نجدهم يندفعون في الدخول في اتفاقات ومشاورات ولكن بنية السيطرة على قرار الدولة المرجوة أو عدم التنفيذ. ناهيك عن اتباعهم لمبدأ مثبت في العقيدة الدينية الشيعية معروف باسم التُقية وهو شيء متبع في المدرسة الدينية الإيرانية. هذا المبدأ يعطيهم الحق في إظهار شيء وإخفاء نوايا لعمل شيء مختلف من أجل الوصول إلى تفوق سياسي وحماية مصلحة جماعتهم التي يشعرون أنها تعيش في بيئة معادية. هذا المبدأ يأتي من باب الصراع على البقاء في ظروف يشعرون أنها ضدهم. وهذا متوقع لأن التبعية الفكرية والدينية والسياسية هي لإيران. ويوجد من الأدلة ما يكفي ليثبت هذه التبعية سواءً من ناحية تدريب قيادات الحوثي في مدينة قُم الإيرانية على يد الحرس الثوري الإيراني وفي اليمن، أو الزيارات المتكررة لقيادات الحوثي السياسية لطهران وتعيينهم سفيراً لهم في إيران مؤخراً، أو قدوم 14 رحلة في الأسبوع من إيران إلى صنعاء خلال فترة سيطرتهم على مطار صنعاء قبل إغلاقه من قبل قوات التحالف، أو التصريحات الرسمية المعلنة من قبل إيران بسيطرتهم على رابع عاصمة عربية بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء.

إن إيران تود استنساخ تجربة حزب الله في لبنان من خلال الحركة الحوثية في اليمن وبالتالي يكون الحوثيين دولة داخل الدولة. وهذا نراه جلياً في أولوياتهم في أن يكون لهم ثقل سياسي لا يقل عن الثلث المعطل للقرارات، وسيطرتهم على المعسكرات والسلاح الثقيل والمعدات العسكرية عند بدء الانقلاب ودخولهم صنعاء. فالسيطرة على القوة العسكرية وعلى اتخاذ القرار السياسي يعدان المطلب الرئيسي لهم في أي مشاورات. وقد رأينا هذا في 2014 عندما جاءوا إلى الرئيس هادي اثناء محاصرتهم له بعدد من المطالب من بينها قائمة من 150 وظيفة أغلبها عسكرية وأمنية ورقابية ابتداءً من منصب نائب رئيس جمهورية إلى رئيس جهاز الرقابة والمحاسبة وغيرها من المناصب الحساسة التي يريدون أن يعطيها لهم مقابل فك الحصار عنه وعن وزراء الحكومة حينها.

ورأينا هذا أيام مباحثات السلام برعاية جمال بن عمر مبعوث الأمين العام والذي طلبوا منه تشكيل مجلس رئاسي تكون لهم السلطة في هذا المجلس والقدرة على تعطيل القرار فيه وبالمثل في مجلس الوزراء المقترح. وبنفس الكيفية كانت مطالبهم مشابهة في قوام الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل. هذا النهج هو نفسه نهج حزب الله في لبنان بحيث لا يكونون في الصدارة بحيث لا تقع المساءلة السياسية عليهم وفي نفس الوقت تكون السلطة في يديهم من خلال سيطرتهم على مواقع استراتيجية في الدولة بالذات العسكرية والأمنية. هذه الخلفية تجعل من المستحيل الوصول إلى اتفاق مع الحوثيين بدون مباركة إيرانية.

إن إدراك هذه النقاط جميعها يغير بشكل جذري من فهمنا لعملية السلام في اليمن وعليه يجب تغيير الآليات المتبعة في عمليات التفاوض من أجل الوصول إلى سلام مستدام في اليمن. أولاً: بالتعاطي مع غاية الحوثيين غير المعلنة من الوصول إلى سلام بطريقة أو بأخرى لكي نكسر الحلقة المفرغة والوصول إلى اتفاق سلام شامل وعادل وتجنيب اليمنيين الاستمرار في مكابدة ويلات الحرب. ثانيا: يجب أن تبنى عملية السلام على أجندة واضحة متفق عليها وأن تعطى حقها من الوقت للوصول إلى توافقات حقيقية ومفصلة. ثالثا: يجب الاعتراف بمدى تأثير إيران على أي اتفاق مع الحوثيين وبالتالي عدم تجاهل دورها في تحقيق السلام. مراعاة هذه التوصيات قد يدفع بعملية السلام في اليمن ويعيد إحياؤها.

— — —

* تُعد رنا غانم من أبرز القياديات اليمنيات المؤثرة في العملية الانتقالية ومباحثات السلام. تحمل منصب نائب الأمين العام المساعد للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن. وكانت النائب الثاني لرئيس فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني. هي عضوة الفريق الاستشاري لفريق الحكومة المفاوض في مشاورات الكويت. وهي المرأة الوحيدة في قوام وفد الحكومة الشرعية لمحادثات جنيف وستوكهولم. رنا عضوة في شبكة التضامن النسوي وحاصلة على زمالة مبادرة مسار السلام للقيادة النسوية.

--

--

Peace Track Initiative
0 Followers

The Peace Track Initiative (PTI) was founded by Yemeni women inside and outside Yemen who came together in 2015 to support the peace process in Yemen.